أخبارمقالات

عجرفة مؤسسة CNSS في فرض تقنيات رقمية تُقصي المواطنين

بقلم: رضوان ارجدال

في عصر التحول الرقمي، تسعى العديد من المؤسسات العمومية إلى تطوير خدماتها لتواكب التطور التكنولوجي وتسهل الوصول إلى الخدمات. ومع ذلك، فإن بعض الإجراءات التي تتخذها هذه المؤسسات قد تتحول إلى عقبات تعيق المواطنين بدلاً من خدمتهم. من بين هذه المؤسسات، يبرز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) في المغرب، الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب قراره الأخير المتعلق بفرض التحقق من الهوية عبر تطبيق يعتمد على تقنية NFC والبطاقة الوطنية الإلكترونية (CNIE). هذا القرار، الذي قد يبدو تقنياً متقدماً، يكشف في الواقع عن نهج يتسم بالعجرفة والإقصاء، حيث يتجاهل واقع فئات واسعة من المواطنين ويضعهم أمام تحديات تقنية تفوق إمكانياتهم.
المشكلة: تقنية NFC كعائق أمام المواطن
يتطلب تطبيق CNSS من المستخدمين التحقق من هويتهم عبر البطاقة الوطنية الإلكترونية باستخدام تقنية NFC، وهي خاصية تتيح التواصل اللاسلكي بين الأجهزة. لكن هذه التقنية، رغم تطورها، غير متاحة في جميع الهواتف الذكية، خاصة تلك المتوسطة أو القديمة التي يعتمد عليها عدد كبير من المواطنين، وبالأخص كبار السن وأصحاب الدخل المحدود. هذا الشرط يعني أن الآلاف من المواطنين، الذين لا يملكون هواتف ذكية مزودة بهذه التقنية، يجدون أنفسهم غير قادرين على إتمام التسجيل أو المصادقة الرقمية للوصول إلى خدمات أساسية مثل التصريح بالأجور أو الاطلاع على حقوقهم الاجتماعية.
هذا الإجراء يكشف عن غياب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. فبدلاً من أن تكون التكنولوجيا جسراً لتسهيل الخدمات، تحولت إلى حاجز يعيق الفئات الأكثر احتياجاً، مما يعكس نوعاً من العجرفة المؤسساتية التي تفترض أن جميع المواطنين يملكون الإمكانيات ذاتها.
إقصاء الفئات الهشة: تجاهل الواقع الاجتماعي
إن فرض تقنية NFC كشرط للوصول إلى خدمات CNSS يعني، عملياً، إقصاء فئات مهمة من المجتمع، خاصة كبار السن الذين قد لا يمتلكون المهارات التقنية اللازمة لاستخدام تطبيقات متقدمة، وأصحاب الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة اقتناء هواتف ذكية حديثة. هذه الفئات، التي غالباً ما تكون الأكثر اعتماداً على خدمات الضمان الاجتماعي، تجد نفسها محرومة من حقوقها الأساسية بسبب قرارات إدارية تفتقر إلى الحساسية الاجتماعية.
على سبيل المثال، كيف يمكن لشخص مسن يعيش في منطقة ريفية، ويمتلك هاتفاً بسيطاً لا يدعم NFC، أن يتمكن من الوصول إلى خدمات CNSS؟ وكيف يمكن لعامل يومي، يكافح لتغطية نفقاته الأساسية، أن يتحمل تكلفة هاتف ذكي جديد فقط لتلبية متطلبات إدارية؟ هذه الأسئلة تكشف عن فجوة كبيرة بين السياسات المعتمدة من قبل CNSS والواقع الذي يعيشه المواطنون.
غياب الحلول البديلة: عجرفة النهج أحادي التفكير
ما يزيد من خطورة هذا الوضع هو غياب حلول بديلة تتيح للمواطنين الوصول إلى الخدمات بطرق أبسط وأكثر شمولية. كان من الممكن، على سبيل المثال، أن تقدم CNSS خيارات مثل المصادقة عبر رقم الهاتف أو كلمة مرور مؤقتة (OTP)، وهي وسائل أثبتت فعاليتها في العديد من الأنظمة الرقمية حول العالم. كما يمكن توفير واجهات رقمية مبسطة أو مراكز دعم ميدانية لمساعدة المواطنين غير القادرين على التعامل مع التطبيقات الرقمية.
إن إصرار CNSS على اعتماد تقنية واحدة دون مراعاة التنوع في إمكانيات المواطنين يعكس نهجاً أحادي التفكير يضع العبء على المواطن بدلاً من تحمل المؤسسة مسؤولية تيسير الخدمات. هذا النهج لا ينم فقط عن عجرفة إدارية، بل عن انعدام التواصل مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة.
التكنولوجيا في خدمة المواطن، لا في إقصائه
التكنولوجيا يجب أن تكون أداة للتمكين، لا وسيلة للإقصاء. إن الهدف من التحول الرقمي هو تعزيز الشمولية والوصول العادل إلى الخدمات، وليس خلق حواجز جديدة. على CNSS أن تعيد النظر في سياستها وأن تعتمد نهجاً أكثر مرونة وشمولية يأخذ بعين الاعتبار الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
1-توفير خيارات بديلة للمصادقة: مثل التحقق عبر الرسائل النصية أو زيارة مكاتب الضمان الاجتماعي للتسجيل اليدوي.
2- تبسيط واجهة التطبيق: لتكون أكثر سهولة للمستخدمين من جميع الفئات العمرية.

  1. حملات توعية ودعم: لتعليم المواطنين، خاصة كبار السن، كيفية استخدام الخدمات الرقمية.
  2. إنشاء مراكز دعم ميدانية: لمساعدة المواطنين غير القادرين على استخدام التطبيقات الرقمية.
    إن قرار CNSS بفرض تقنية NFC كشرط للوصول إلى خدماتها يكشف عن عجرفة مؤسساتية تتجاهل واقع المواطنين وتضعهم أمام تحديات غير ضرورية. التكنولوجيا يجب أن تكون في خدمة الإنسان، لا أداة لتعقيد حياته. على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن يتحمل مسؤوليته تجاه المواطنين، خاصة الفئات الهشة، وأن يعتمد حلولاً شاملة تضمن وصول الجميع إلى حقوقهم دون عوائق. إن الإصلاح الحقيقي لا يكمن في فرض تقنيات متطورة، بل في ضمان أن تكون هذه التقنيات في متناول الجميع، لأن العدالة الاجتماعية تبدأ من هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى