في الذكرى 1500 لولادة الرسول “ص”إضاءات حول معالم الهدي النبوي في مجال السلوك القضائي

من إعداد: الدكتور محمد عبده البراق
عضو الودادية الحسنية للقضاة
تعتبر ذكرى المولد النبوي الشريف من أهم المناسبات الإسلامية إذ تشكل موعدا سنويا لإستحضار مولد النبي(ص) خاتم الأنبياء والمرسلين، والذي جاءت رسالته لإقامة الدين وهداية الأمة إلى طريق الحق، وتشكل حياة الرسول(ص) القدوة العليا للمسلمين في جميع تصرفاتهم وسلوكياتهم.
ويصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ1500 لمولد النبي محمد(ص)، مما يشكل مناسبة مواتية للإطلاع على سيرته العطرة والوقوف على تصرفاته المتعددة الجوانب لاسيما تلك المرتبطة بممارسته للقضاء وإقامته للعدل ومحاربته للظلم والفساد، مما يجعلها فرصة سانحة لإعادة قراءة السيرة النبوية وتطبيقها في جميع مناحي حياتنا المعاصرة.
وعليه سنتطرق لمعالم الهدي النبوي في مجال السلوك القضائي من خلال التطرق لطبيعة تصرف رسول الله ص في مجال القضاء (أولا) ثم إستعراض أهم معالم السلوك القضائي النبوي من خلال أقضيته “ص”(ثانيا).
أولا: التأصيل لطبيعة تصرفات الرسول “ص” في مجال القضاء:
لقد انطلقت بوادر القضاء النبوي منذ صحيفة المدينة – أو ما يسمى بدستور المدينة – التي أصدرهـــا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة والذي جاء فيها:” إنــــــه من كان بين أهل هذه الصحيفـــــة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مـرده إلى الله وإلى محمد رســــول الله “.
فأصبح رســــول الله صلى الله عليه وسلم القـــــاضي الأعــــلى في المدينة للمسلمين منهم ولليهود، ترد إليه الخصومات والمنازعات ، فهــــو قاضيهم الـــــوحيد في كـــل مـا أشكل عليهم من خلاف، وقد باشر الرسول صلى الله عليه وسلم القضاء بنفسه، فكان يقضي بين الناس.
وتعد ممارسة رسول الله للقضاء سلطة استمدها من الشارع الحكيم لقوله تعالى في سورة المائدة:”فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق”،وقد شرح الامام القرافي المالكي رحمـه الله مكانة رسول الله (ص) في مجال القضاء قائلا :” اعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هـــو الإمــــام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم؛ فهو صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء؛ فجميع المناصب الدينية فوضها الله تعالى إليه في رسالته، وهــــو أعظم من كل من تولى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة، فما من منصب ديني إلا وهو متصف به في أعلى رتبة “.
وقــــد رفع النبي صلى الله عليه وسلم لــــواء العدالة، وقرر المساواة بين الناس جميعًا لا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين عربي ولا عجمي، ولا بين مسلم وغيره، فالكل أمام عدالة الإسلام ســــواء، فبين للناس دستــــور القضاء والتقاضي وما يجب على القاضي أن يلتزمـــــه في نظر الــــدعــــوى من إجراءات وترتيبات ، وفي الحكم الذي يصدره داعيًا إلى الاقتداء به، فقد كان قضاءه -صلى الله عليه وسلم- تشريعًا واجب الاتباع سـواء كان ذلك القضاء تطبيقًا لنص تشريعي نزل به الوحي، أو كان اجتهادًا منه، ولم يكن في المدينة قاض سوى النبي؛ إذ إنه تولى القضاء بنفسه، وكلف به أصحاب الكفاءة من الصحابة في بعض الأحيان، ليعلمهم أحكام القضاء والفصل في المنازعات بين الناس، أثناء غيابه أو بعد وفاته ، أو لتولي القضاء في أقاليم الدولة عند اتساعها.
و تعتبر تصرفات الرسول بالقضاء هي ما يفصل به بين المتنازعين بوصفه قاضيا، وفق ما يتوفر لديه من الحجج والأدلة والقرائن، التي يتقدم بها المدعي والمدعى عليه، فتصرفات النبي بالقضاء جزء من عمله البشري وهي لا تلزم الأمة في الحاضر والمستقبل في أحكامها الجزئية، لتعلقها بالمتغيرات والنوازل والدَّعَاوَى، وهي بطبيعتها أحداث طارئة ومتغيرة حسب ظروف الزمان والمكان، وقد أوضح النبي هذه الوظيفة القضائية البشرية التي تعتمد على الأدلة الشرعية والقانونية، في الحديث الشريف : “إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فإني أقضي بينكم في نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار”.
وعليه يتبين أن تصرفات مولانا رسول الله ص في القضاء ترتكز على نصوص الشرع وعلى الإجتهاد وعلى البينة.
والحمد لله لزال بلدنا المغرب محتفظا بهذا الإرث النبوي الشريف من خلال تقلد مولانا أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله وأيده لأمانة الإمامة العظمى الذي تجعل منه بحكم الشرع والدستور إمام الأمة وقاضيها الأول، وتبعا لذلك يمارس قضاة المملكة مهامهم نيابة عن الإمام في إصدار الأحكام وإحقاق العدل بين رعاياه.
ثانيا: أهم معالم السلوك القضائي النبوي من خلال أقضيته “ص”
تستند مبادئ السلوك القضائي في السنة النبوية إلى أسس العدل والمساواة والنزاهة والاستقلال، مع التركيز على ضرورة أن يكون القاضي على خلق رفيع وعلم واسع لضمان تحقيق العدالة الناجزة، ويمكن استنباط هذه المبادئ والقواعد والضوابط من خلال تصرفات الرسول(ص) عند ممارسته للقضاء إما بنفسه أو من خلال توجيهاته للصحابة الكرام الذين كلفهم بالقضاء بين الناس، وتتضمن هذه المبادئ: العدل والمساواة في التعامل مع المتخاصمين، استقلال القاضي ونزاهته عن أي مؤثرات خارجية، الكفاءة والاجتهاد، والتجرد والحياد لتحقيق عدالة ناجعة.
وعليه سنستعرض بعض مبادئ السلوك القضائي إنطلاقا من الهدي النبوي الشريف في هذا الباب.
مبدأ المساواة والحياد:
لقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم القضاة إلى الحكم بالعدل وعدم التحيز، والتسوية بين الخصوم في جلستهم، والإشارة، والمقعد، ورفع الصوت، قال صلى الله عليه وسلم: “من ابتلي بالقضاء بين الناس، فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده”.
والمساواة بين الخصوم تقتضي إجمالا عدم التمييز بينهم أثناء جلوسهم بين يديه، وذلك كالمقعد واللحظ والإشارة ورفع الصوت على أحدهما دون الآخر، ولا يقرب أحدهما إليه ولا يقبل عليه دون خصمه ولا يميل إلى أحدهما بالسلام ولا بالترحيب ولا يرفع مجلسه ولا يسأله عن حاله ولا عن خبره ولا عن شيء من أمورهما في مجلسه، لأن ذلك يشعر بعناية القاضي به، والتفرقة في هذه الأمور وما شاكلها تعتبر في نظر الإسـلام ظلما فادحا وجورا كبيرا، إذ تترك في نفس الخصم الذي لم يحظ بـها الآثار النفسية، وتخلق في أعماقه حرجا معنويا عميقا يعسر مداواته، حيث يشعر بالإهانة في الوقت الذي يتمتع فيه خصمه بالتكريم.
وورد في كتاب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قوله: “آس بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك”.
مبدأ الاستقلالية:
يجب أن يكون القاضي مستقلاً في قراراته بعيداً عن أي مؤثرات خارجية أو داخلية، وأن يتمتع بنزاهة عالية في سلوكه العام والخاص، وفقاً لما تضمنته مبادئ السنة النبوية.
فمسألة استقلالية القضاء في الإسلام حقيقة ثابتة لا مرية فيها، فلا سلطان على القاضي في إصدار الأحكام إلا سلطان الشرع، ونصوص الشريعة وقواعدها العامة تمنع أي تدخل في القضاء أو التأثير في أدائه بأي وجه من الوجوه.
قال تعال”: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”. المائدة:8، وقال تعال : “وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”النساء: 58.
ومن الهدي النبوي في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراد إقامة الحد على امرأةٍ مخزوميةٍ سرقت، فخاطبت قريش أسامة؛ ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسقاط الحد عنها، فقال صلوات الله عليه:”أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!”، ثم قام فخطب، قال:”يا أيها الناس! إنما ضل من قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمدٌ يدها”.
لقد رسم عليه الصلاة والسلام طريق العدل في القضاء، قيمةً غير ذات عوج، وزادها بسيرته العملية وضوحًا واستنارة، فاستبانت لأصحابه في أجلى مظهر، فاقتدَوا بهديها الحكيم، وأروا الناس القضاء الذي يزن بالقسطاس المستقيم.
ولا مراء أن الشريعة الإسلامية وهي بصدد وضعها للمبادئ والأسس التي تضمن بها تحقيق العدالة بين المتخاصمين، قد وضعت نصب عينيها الحالة النفسية التي ينبغي أن يكون عليها القاضي، لما لها تأثيرات على أفعاله وتصرفاته، ومآلها أن لا يتصدى القاضي للقضاء إذا تشوش ذهنه بعارض يمنعه من صفاء التفكير وسلامة الفهم والإدراك ووضع الحق في نصابه، كالهم والحزن والجوع والنعاس والغضب وما أشبه ذلك، والأصل في كل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : “لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان” ، وذلك لما قد يفوت الغضب عليه من مقاصد الحق لما يعتريه من اختباط العقل وبما يفوته عليه من استحضار كثير من مستلزمات الحكم، فلا يستحضر مع الغضب ما يستحضره وهو في حالته الطبيعية من هدوء وطمأنينة، وفيه توجيه القضاة إلى استشعار الحلم والصبر.
مبدأ النزاهة:
نزاهة القاضي في الإسلام تعني امتلاكه لصفات جوهرية مثل الأمانة والعدل والاستقامة والخوف من الله وحده، وهي شرط أساسي لتولي القضاء وتحقيق العدالة وثقة الناس بالنظام القضائي، وتتطلب النزاهة القضائية من القاضي أن يكون سلوكه فوق مستوى الشبهات وأن يتجنب أي تصرف يثير الشكوك في حياده أو بواعثه.
فنزاهة القضاء ونقاء ضمائر القضاة هي صمام الأمان لتحقيق القضاء العادل الذي يشعر خلاله المتقاضين بالثقة والأمان في أروقة المحاكم.
ومن الآيات المنبِّهة لما في العدل والنزاهة من فضلٍ وكرامة، قوله تعالى: “وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”المائدة: 42، فقد أمر بالعدل، ونبَّه على أن خيرًا عظيمًا ينال الحاكم بالقسط، هو محبة الله له، وما بعد محبة الله، إلا الحياة الطيبة في الدنيا، والعيشة الراضية في الأخرى.
ومن الأحاديث الدالة على ما تورثه النزاهة من شرف المنزلة عند الله تعالى، قوله عليه الصلاة والسلام:”إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا”، وهذا كنايةٌ عن شدة قربهم من رب العالمين، وفوزهم برضوانه وأن الحاكم العادل يجد من النعيم ما تشتهيه نفسه، وتلذه عينه، شأن من يكون قريب المنزلة من ذي رحمةٍ وسعت كل شيء.
فالقاضي العادل يوافي الناس بلحنه ولفظه، في وجهه ومجهوده، لا يطمع شريف في حيفه، ولا ييئس ضعيف من عدله، لا يمضي مع هوى، ولا يتأثر بود، ولا ينفعل مع الروح، لا تتبدل التعاملات عنده مجاراة لصهر أو نسب، ولا لقوة أو ضعف، يزن بالقسطاس، وبالعدل يقضي، يدني الضعيف حتى يشتد قلبه وينطلق لسانه، ويتعاهد الغريب حتى يأخذ حقه.
وقد جاء في الهدي النبوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلى الله عنه ولبسه الشيطان”، وفي رواية الحاكم: “فإذا جار تبرأ الله منه”.
وتذكر المصادر أن النبي وهو قاضي المسلمين في المدينة، قد نظر في قضية الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوام ورجل من الأنصار فحضره بنفسه، وقال: “اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك”، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجهه ثم قال: “اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجذر ـ أصل الحائط ـ ثم أرسل الماء إلى جارك”. قال الزهري: “واستوفى النبي للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة”، وتتعلقّ هذه القصة بوجود طرفين متخاصمين ابن عمة الرسول ورجل آخر، ولقد ظن الأنصاري أن الزبير أخذ هذا الحقّ لقربه من الرسول، ولكنّ النبيّ بين الحكم الذي ينبغي أن يتبع في أمر السقاية بين الجيران، وتؤكد هذه الواقعة أن القرابة لاتعد سببا للحكم لفائدة القريب وإنما يتعين على القاضي أن يتحلى بالنزاهة التي تجعل حكمه منزها عن كل هوى.
مبدأ الكفاءة والاجتهاد:
يعني مبدأ الكفاءة والاجتهاد في القضاء أن القاضي يجب أن يمتلك المعرفة والمهارات اللازمة، وأن يبذل قصارى جهده في فهم القضايا وتطبيق القانون بإنصاف وعدل لضمان تحقيق ثقة المتقاضين في العدالة.
وقد عمل رسول الله (ص) على تكليف بعض الصحابة رضوان الله عليهم بمهام القضاء، ومن هؤلاء القضاة من كان يقضي في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لتمرينهم على القضاء والاجتهاد واستنباط الأحكام ، ومنهم من كان بعيداً عنه ، فيقوم بتبليغ حكمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يصوبه أو يخطئه.
ومن معالم الهدي النبوي الشريف في هذا الباب تكليف الرسول صلوات الله عليه الصحابي الجليل “معاذ ابن جبل”بمهام القضاء باليمن ، حيث قال له قبل أن يرسله إلى اليمن ” كيف تقضي إذا عرض لك قضاء”، قــال ” أقضـي بكتاب الله “، فسأله الرسول مرة آخرى ” فإن لم تجد في كتاب الله”، فأجابه ابن جبل “فبسنة رسول الله”، فعاود صلى الله عليه وسلم وسأله “فإن لم تجد في سنة رسول الله، ولا في كتاب الله؟”، فأسرع ابن جبل وأجب الرسول قائلا “اجتهد رأيي “، هنا ضرب رسول الله صدره قائلا “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله”.
وفي حديث معاذ في الاجتهاد يبين رسول الله ﷺ كيف تستطيع الشريعة الإسلامية أن تلبي حاجات الناس وقضاياهم المتجددة في كل زمان ومكان ، فرسول الله بعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن ليدعو أهل اليمن إلى الإسلام ، ويكون أميرا عليهم ، وستعرض عليه أمور لم تحدث عند رسول الله ومعاذ في أرض بعيدة فأرشده أن يحكم في كل قضية تحدث بكتاب الله وسنة نبيه ، فإن لم يجد نص تلك القضية فيهما ، فعليه أن يجتهد فيما يحقق المصلحة للناس ويرسي مبادئ العدل بينهم ، وتوجيه النبي ﷺ لمعاذ رضي الله عنه هو توجيه للمسلمين جميعاً في كل زمان ومكان وهي قواعد تبين مدى تحققه صلى الله عليه وسلم من عنصري الكفاءة والاجتهاد قبل تكليفه لسيدنا معاذ رضي الله عنه بالقضاء في اليمن.
ومن أمثلة كذلك تقليد الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قضاء ناحية اليمن، ويروى عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً فقلت يا رسول الله ، ترسلني وأنا حدث السن ، ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر ، كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد ).
فمِن العَدْلِ في القَضاءِ بينَ النَّاسِ: أنْ يَسْمَعَ القاضي مِن الخَصْمَينِ مُتجَرِّدًا مِن الأهواءِ ومِن كلِّ ما يُؤدِّي إلى التَّأثيرِ في الحُكمِ بما لا يُرْضي اللهَ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحديثِ يستفاد أنَّ الخيرَ في طاعةِ كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفيه تَدْريبُ الشَّبابِ على حَمْلِ الأمورِ العِظامِ، ووجه الدلالة في هذا الحديث أن الرسول صلى اله عليه وسلم ، أرسى قاعدة هامة في القضاء وهي إلزام القاضي بعدم إصدار حكمه في المسألة قبل أن يكتمل سماعه لأقوال الخصمين دون تمييز بينهما ، وبذلك تتكشف الحقائق وتتم العدالة في إصدار الأحكام.
وصفوة القول أن مبادئ السلوك القضائي التي تطرقنا إليها على ضوء الهدي النبوي الشريف، تشكل مصدرا أساسيا للعديد من مدونات السلوك القضائي بالعالم ومن بينها مدونة السلوك القضائي ببلادنا أو ما يسمى بمدونة الأخلاقيات القضائية والتي تجد في الشريعة الاسلامية مصدرا من مصادرها الاساسية بالاضافة الى التشريعات الدولية كقواعد بانجلور وكذلك التشريعات المقارنة ذات الصلة، وعليه أصبحت هذه المبادئ خارطة طريق للقضاة يتعين عليهم إتباعها وإحترامها وتفعليها من أجل عدالة ناجزة وناجعة تحظى بثقة المتقاضين وترضي الضمير المهني.