هل ماعجز عنه الاستعمار حققه أتباعه ؟.




بقلم : إبراهيم الناية 

ان مجيء الاسلام قد أدى الى إحداث ذلك الانقلاب الشامل. في المفاهيم والتصورات، وهكذا ظهرت الى الوجود رؤية متميزة تختلف جوهريا عن ما ألفته البشرية في السابق لأنه أخرج البشرية من الشقاء والتعاسة الى حياة السعادة والنعيم ،فقد أكد منذ البداية ان اصل البشرية واحد. "كلكم لأم وآدم من تراب." ولذلك فلا داعي الى التنمر والاستعلاء. ولم تكن دعوته محصورة على العرب وحدهم. بل ان الاسلام يخاطب كل العالمين بخلاف الدعوات السابقة. بل اصبح هو الاطار الناظم لكل الاجناس البشرية. معتمدة دعوته على مبدأ التوازن. "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت". ولا تمييز بين البشر من حيث اللون او العرق  او الغنى او الفقر "ان اكرمكم عند الله اتقاكم". وقامت مبادئ الاسلام على أساس الحق والعدل. "وبالحق انزلناه وبالحق نزل". ولكن هذه الرؤية الجديدة قد استفزت عناصر الشر الذين يؤمنون بعقلية التطاول والاستعلاء، ومنذ البداية اسسوا استراتيجية يتحركون من خلالها. وهي محاولة تخريب الاسلام من الداخل، وقد استمر هذا العمل الى يومنا هذا. ولذلك فقد حاول العابثون بث الشبهات والشكوك حول المنظومة الإسلامية .وفي العصور الحديثة كانت الهجمة الشرسة التي شنها الاستعمار الغربي منذ اواخر القرن التاسع عشر على العالم الاسلامي ذات بعد ايديولوجي واقتصادي الهدف منها في الظاهر هو الهيمنة على الخيرات ،ولكن في الخفاء يحاول استمالة الشعوب نحو ايديولوجيته التي تناقض معتقدات الشعوب الاسلامية. ولكنه وجد مواجه قوية جعلته يفكر في حيل اخرى وهي البحث عن عملاء واتباع يكونون اوفياء له بعد مغادرته تلك الاوطان ، ولذلك ينبغي طرح السؤال حول اوجه العجز او الفشل في المشروع الاستعماري. سيما في المجتمعات التي نعيش فيها.؟ لقد حاول الاستعمار إبعاد الاسلام عن مجال الحياة. ولكنه لقي عنتا شديدا. - بل ان الاسلام كان هو وقود التحرير - وهو نفس العنت الذي واجهه عندما اراد وضع قوانين غربية في مجال الاسرة كما فشل في تحقيق القطيعة بين العرب والبربر ومحاولته اخراج الامازيغ عن دين الاسلام ، ودعوتهم الى اعتناق المسيحية. كما كان سقوطه مدويا عندما جعل المرأة البربرية متاعا يوَرَّثُ ولا يرث .لكن اتباع الغرب ارادوا تحقيق ما عجز عنه اسيادهم الاستعماريون. فكيف ذلك؟. واول عمل حاول اتباع الغرب انجازه هو وضع الاسلام وتشريعاته محل تساؤل  واستبدال انظمته التشريعية بنظام القوانين الغربية. لكنهم لم يدركوا  المخاطر المترتبة عن ذلك، فالله سبحانه خلق الانسان وهو يعلم طبيعة ما خلق. ولذلك انزل التشريعات التي تتلائم وتنسجم مع طبيعة الخلق. وعلى هذا الاساس فان تشريعات الخالق تتجاوز الزمان والمكان. ولا تتقيد بظرفية تاريخية ولا مكان معين ، فالله سبحانه أنزل التشريعات وهو يعلم يقينا الاحوال التي ستؤول اليها مخلوقاته، وقد يقع البعض في الخطأ سيما اذا كانت حمولته الفكرية تتنافى  مع منطلقات الاسلام. حيث يتعامل مع القرآن وكأنه نص بشري مرتبط بواقع زمان معين. وهذا جاء نتيجة استلابه من قبل منظومة التفكير الغربي وعليه يمكن التساؤل: هل يمكن للانسان ان يشرع لنفسه وهو غير خالق لها ؟ولا يعلم طبيعة خلقها؟ ومجمل القول إن الهدف هو ابعاد سلطان الله عن حياة الناس، وهي مسألة متجذرة عند اتباع الفكر الغربي ويسعون جاهدين لتحقيقها وقد ورثوها عن الفكر اليوناني القديم حيث يقر الفيلسوف ابيقور: إن الالهة خلقوا العالم ولكن عليهم الا يتدخلوا في شؤون الناس. ومن هذا المنطلق يهدف اصحاب هذا التوجه الى وضع القوانين المسايرة لحياة الناس حسب اعتقادهم. ولكن هل يمكن للبشر  أن يضع قوانين تضمن الحق والعدل للإنسان وتكون محيطة بمجمل حياته ؟.

وهذه مسألة بعيدة المنال ولا يمكن تحقيقها لأن قانون البشر قاصر ويسوده النقصان ولا يتصف بالديمومة والإستمرارية. لكن ينبغي التأكيد أن فشل العلمانيين في بناء مجتمع متماسك تسوده العدالة الاجتماعية وقائم على التوازن ومحارب للحيف الاجتماعي هو الذي جرهم الى انتقاد العقائد الدينية لان مشاريع  الاقتصاد والسياسة والبناء الاجتماعي، يقتضي إرادة حرة وذات مستقلة وهي امور يفتقر اليها العلمانيون الذين يستظلون بظل غيرهم، وخاصة اذا علمنا ان كل ارائهم تتأسس على الرؤية المادية للحياة التي تتميز بها الثقافة الغربية المبنية على الصراع والتغير والتناقض، بخلاف الثقافة الاسلامية القائمة على المحبة والانسجام والتكامل. وانعكس مفهوم الثقافتين على اتباع كل منهما .

 ومن بين ما فشل فيه الاستعمار الغربي هو فشله في تغيير قانون الأسرة وهي المهمة التي كلف بها اتباعه بعد ذلك ليقوموا بالواجب احسن قيام ، واتخذوا المدخل لذلك الكلام عن المرأة وحقوقها ليتحول الامر بعد ذلك الى الطعن في عقائد الاسلام. ولكن المثير في الامر ان الكلام عن المرأة سيتحول الى صراع يترتب عنه تدمير الاسرة. فهل اصبحت مهمة المرأة في الحياة هي الصراع مع الرجل؟.

 إن ما يقدمه اتباع الاستعمار من مشاريع حول الاسرة قائم على هذا الاساس. فلم تعد مدونة الاسرة وسيلة للتماسك والبناء. بل جاءت للتخريب وتفكيك بنية المجتمع  إن مهمة المرأة بالاساس كالرجل هي عبادة الخالق والمساهمة في تنمية المجتمع وبناء النفوس والعقول والدخول في الصراع مع الجهل والتخلف ومع كل العوائق التي تحول دون بناء مجتمع العلم والإيمان، والابتعاد عن صرف الجهد في المهاترات التي يغذيها اذناب الاستعمار، وللاسف فما عجز الاستعمار عن تحقيقه حاول اتجاه عنصري عميل، الاستماتة في تحقيقه والذي يهدف إلى نسف بنية المجتمع واحداث الشرخ الذي يصعب معالجته، فقد حاول المارشال "ليوطي" في سبتمبر 1916  إحداث الفتنة فقد ثار النساء بقبيلة زمور الخميسات على المحاولة الوضيعة التي تريد بعث عقائد الجاهلية والتي ترى ان المرأة متاع يباع ويشترى ويوهب ويورث ولا يرث، وقد انتفض النساء في الخميسات وواجههن الفرنسيون باطلاق الرصاص عليهن ،وقد اضطر ليوطي في الأخير الى التراجع باقراره ان هذا الامر لن ينفذ وكان الهدف منه  جعل المرأة بضاعة رخيصة لا كرامة لها وهو نفس ما يذهب اليه اتباع الغرب في جعل المرأة شيئا من الاشياء تحت غطاء العلاقات الرضائية والحرية الشخصية ،كما نجد ان هناك من يريد بعث الظهير الصادر يوم 16 ماي 1930. وما يدعو  اليه من تفرقة بين المسلمين. باشهار العرقية النثنة واذكاء العنصرية ودعوة الامازيغ الى ترك الاسلام وهي نفس الدعوة التي كان الاستعمار الفرنسي يدعو اليها. وهي يجب على البربر الا يتعلموا اي شيء عن الاسلام. بل دعاهم الى الانخراط في المسيحية، وهذا الاتجاه لا يخفي عمالته  للصهيونية التي تدعو الى الوثنية وتوظف مختلف المذاهب الفلسفية من اجل محاربة فكرة الله وازالتها من النفوس وعندما تتخلى البشرية عن فكرة الله يأتي اليهود ليملؤوا الفراغ بفكرتهم عن الله كما يريدونها.

طانطان 24