بدعة "دعم وطني ودعم جهوي": تسلل واضح، سيدي الوزير

 


بقلم : سيدي اسباعي/ صحفي مهني 

المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، يبدو أنه لجأ إلى آخر أوراقه في محاولة وأد الصحافة الجهوية. كيف لا؟،  وهو الآن يلعب على المكشوف، متخليًا عن شعارات : تكافؤ الفرص، حماية التعددية، ضمان استقلالية الصحافة، وتشجيع الاستثمار في القراءة. بل يطرح علينا بدعة جديدة: تقسيم الدعم إلى "دعم وطني" للمؤسسات الصحفية الوطنية ، و"دعم جهوي" للمؤسسات الجهوية. إنه تسلل واضح، سيدي الوزير.

في جلسة مجلس النواب المنعقدة يوم الاثنين 9 دجنبر، تابع الرأي العام المغربي مداخلات النواب حول قضية إقصاء المؤسسات الصحفية الجهوية من الدعم العمومي المخصص للصحافة والنشر. وقد أظهر الوزير حالة من التوتر والارتباك، مجسدا مشهدا أشبه بفيلم "نايضة" للمخرج سعيد الناصري. سيدي الوزير، مطالبنا ليست متطرفة ولا تعجيزية؛ نحن نطلب فقط احترام القانون، والدستور، وخاصة المادة السابعة من قانون الصحافة والنشر 13.88 التي تنص على حق الجميع في الاستفادة من دعم الدولة بناء على الشفافية وتكافؤ الفرص والحياد.

إشكالية تقسيم الدعم

في ردك، سيدي الوزير، لجأت إلى تبرير تقسيم الدعم إلى "وطني" و"جهوي". هذا التقسيم يتعارض مع نصوص المرسوم الوزاري الذي يحدد معايير الدعم دون أي إشارة إلى هذا الفصل. المرسوم يتحدث عن تصنيفات للمؤسسات الصحفية (صغرى، متوسطة، وغيرها)، وليس عن جهويات. لذا، يبدو أن هذا التقسيم محاولة لإقصاء منهجي للمؤسسات الجهوية.

تركيع الصحافة الجهوية وديناميات الشراكة 

هذا التوجه الجديد لا يبدو بريئا، بل يعكس محاولات واضحة لتركـيع الصحافة الجهوية ووضعها تحت رحمة الاستعمال السياسي، خاصة مع اقتراب الانتخابات.تقسيم الدعم وتحويل الصحافة الجهوية إلى أدوات ترويج لأحزاب سياسية معينة ) يديرها الفاعلون الجهويون يهدد استقلالية الإعلام.

ومع ذلك شهدت الصحافة الجهوية دينامية واعدة قادتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالتعاون مع مجالس الجهات والولاة، تجلت في توقيع عدد من اتفاقيات الشراكة لدعم الصحافة الجهوية. من أبرزها:

- اتفاقية بين مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة والفرع الجهوي للفيدرالية بطنجة.

- اتفاقية بين مجلس جهة الداخلة وادي الذهب والفرع الجهوي للفيدرالية بالداخلة.

- اتفاقية إطار بين مجلس جهة سوس ماسة وفرع الفيدرالية بأكادير.

كما كانت هناك مساع جارية لتوقيع اتفاقيات مماثلة في جهات كلميم، مراكش، وجدة، فاس مكناس، والعيون.

هذه الدينامية كانت ستوفر تمويلا مباشرا ومستداما للصحافة الجهوية. ومع ذلك، قامت الوزارة بوأد هذه الجهود وإفشالها، ما أدى إلى تضييع فرصة كبيرة بسبب حسابات بيروقراطية ضيقة وأنانية كان بالإمكان تجاوزها.

نظام دعم جهوي محفوف بالمخاطر

إعلان الوزير اليوم عن التفكير في نظام خاص للدعم الجهوي، تشرف عليه المديريات الجهوية للوزارة بمشاركة مجالس الجهات، يثير مخاوف جدية. فبدون ضمانات واضحة لتجنب الاستغلال، قد يصبح هذا الدعم وسيلة لترسيخ الولاءات السياسية وتصفية الأصوات المعارضة، مما يهدد حرية الإعلام الجهوي ومصداقيته) ما يجعل المقاولات الصحفية الجهوية تحت رحمة المنتخبين والمجالس. قد يُستخدم هذا النظام للضغط على كل صوت معارض أو مخالف من خلال ورقة الدعم الجهوي، مما يهدد حرية الإعلام الجهوي ومصداقيته.

ازدواجية الخطاب والموقف

الدعم الجهوي، الذي تروجون له اليوم، هو فكرة تعطلت لأكثر من عامين بسبب عراقيل وضعتها وزارتكم، رغم أن العديد من المجالس الجهوية صادقت على مشاريع دعم للصحافة الجهوية. يبدو أنكم تسعون الآن لرمي الكرة في ملعب الجهات، محملين إياها مسؤولية دعم الصحافة الجهوية، رغم أن ميزانيات هذه الجهات مخصصة مسبقًا من قبل وزارة الداخلية.

نضال الصحافة الجهوية ودورها الوطني

لا يمكن إنكار النضج المهني للصحافة الجهوية، خاصة في الأقاليم الجنوبية التي تلعب دورا رياديا في الدفاع عن القضية الوطنية ومواجهة الدعاية المغرضة ضد وحدة المغرب الترابية. كان من المفترض أن تكون الوزارة أكثر انفتاحًا على المؤسسات الصحفية الجهوية، وأن تشركها في صياغة سياسات الدعم.

ختاما، ما يحدث اليوم هو يعكس ترنح وزارة التواصل وفقدانها البوصلة. فبدل أن تساهم في تنظيم القطاع والنهوض به، نجدها تكرس الفوضى والإقصاء. هذا الوضع يدفعنا للتساؤل: هل تهدف هذه السياسات إلى حماية الصحافة ، أم إلى تعزيز الشحتنة والرداءة والإساءة لصورة الإعلام المغربي؟

طانطان 24