بقلم : إبراهيم الناية
ان الحديث عن ارتباط الاخلاق بالكرامة الانسانية امر لا مناص منه لأن الانسان كائن اخلاقي بالاساس وعندما يفتقر الى هذه الصفة لم يعد ينتمي الى دنيا الإنسانية. رغم أنه خلق اصلا انسانا، لكنه اراد ان يجعل من نفسه حيوانا بمحض ارادته، مخالفا بذلك القانون الإلهي الذي خلقه الله ووضع كل شيء في نصابه ومداره، ولكن قد يتساءل البعض ماذا نعني بالكرامة الانسانية؟ ويكون الجواب المباشر والتلقائي: إن الكرامة الإنسانية قيمة إنسانية لا يشعر بها الا من اراد ان يكون انسانا حرا معلنا عبوديته لله ومستقل الارادة والتفكير، ولكن يفتقدها الانسان الذي أراد ان يكون عبدا لغير الله. ولا يحب مغادرة شهواته ونزواته وغرائزه ،ولا يشعر الا بوجوده المادي. كشيء من الاشياء خال من كل بعد اخر ،اما الانحلال الاخلاقي فهو نزول هابط بالانسان الى درك الانحطاط، وليس تقدما كما يتوهم السذج والمغفلون ، وهو بذلك فقدان للكرامة. وتذويب لشخصية الانسان، فأية كرامة للراشي والمرتشي وللانثى التي تعرض جسدها وتجعل من نفسها بضاعة يحدد ثمنها بسعر؟. وأية كرامة عند سارق المال العام أوالشخص الذي يتقاضى اجرة دون ان يقوم بعمله.؟ والغريب ان هناك من يركب على اسم الحداثة ويضيف اليها ما يطلق عليه: حقوق الانسان. "كما هو متعارف عليها كونيا" وهو اسلوب القصد منه.،صهر الانسان وجعله يفقد ذاته وعنوانه وهويته وكرامته ،فلا علاقة بين التقدم والانحلال الاخلاقي، فالتقدم انعتاق من الجهل والمرض والفقر وتطوير اساليب الحياة الاجتماعية وفق منطق الايمان والعلم والمعرفة. ولا يمكن ان يتقدم الانسان وهو منهمك في عالم الرذيلة، لان التقدم يقتضي بناء الذات والعقل والشخصية، وفي اطار الميوعة لا يمكن ان يتحقق ذلك لأن التحلل من الاخلاق والقيم اشعار بالدخول الى عالم الحيوانية والبهيمية الطافحة ، والدعوة الى العودة الى حياة الجاهلية ،بل هناك من يريد للناس العيش في ظل حياة المشاعية البدائية كما صورها الفكر الماركسي ، واصبح يروج لمفاهيم فكر نشأ في بيئات مختلفة ووفق تصورات معينة وراح يدعو لها في مجتمعاتنا دون مبالاة ودون ان يراعي الى ان الواقع الذي نعيش فيه يختلف جملة وتفصيلا عن الواقع الذي نشأت فيه تلك المفاهيم، ونظرا لهذا الخلط فقد نجد بعض المنتسبين الى الثقافة الاسلامية يوظفون مفاهيم الثقافة الغربية في الخطاب التداولي اليومي ،وكأن الرؤية الاسلامية ليس لها مفاهيمها المحددة حول الوجود والحياة والانسان، لأن كل منظومة أخلاقية لها اساسها الفكري والعقائدي. ولذلك نرى ان دعاة الثقافة الغربية يسعون جاهدين الى نسف الاساس الفكري والعقائدي للمنظومة الاخلاقية الاسلامية اولا قبل الشروع في نقد القيم الاخلاقية الإسلامية ،ولكن هذا النقد او النسف لا يستند على منطق علمي وإنما الى مجموعة من الانفعالات قد يكون لها صدى عند جهلة الخلق. ولذلك إن المدافعين عن الانحلال الأخلاقي داخل مجتمعاتنا صنعهم الاستعمار لخدمة توجهاته لان الانحلال الاخلاقي مقدمة لسيطرة الاجنبي لانه لم يعد هناك انسان يشعر بوجوده وحريته وكرامته ،وهذه الاستراتيجية التي تنهجها الصهيونية، وهي تدمير المجتمعات من الداخل، وهكذا اندحرت كثير من المجتمعات وسقطت تحت لوثة الانحلال الاخلاقي لانها لم تعد تفهم المفاهيم على حقيقتها ،بل قدمت لها الفضلات البشرية على انها ازهار طيبة الروائح !. وهذا هو الذي حدا باحد الكتاب أن يقول عندما رأى كثيرا من فئات مجتمعاتنا تسلك الطريق الخطأ. "هناك بلدان عربية انتقلت من البداوة الى الاضمحلال دون ان تمر بطريق الحضارة". والاسلام ألزم المسلم باعتباره كائنا اخلاقيا مبادئ وقيم اخلاقية لا يمكنه ان يتنازل عنها مهما كلفه الامر من ثمن. "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة:8]
وهذه الاخلاق تتجلى في اللحظات الحرجة خصوصا اثناء الحرب. وهكذا يوصي ابو بكر الصديق رضي الله عنه. قائد جيشه اسامة بن زيد. "لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا ،ولا امرأة ولا تقطعوا نخلا ولا تحرقوه ،ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا الا لمأكلة ،وسوف تمرون على قوم فرغوا انفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا انفسهم له". والاسلام لم يترك المسألة الأخلاقية بدون حسم ولا ضبط، وقد توعد الله سبحانه وتعالى تلك الشرذمة من الخلق التي هدفها الأكبر هو تمييع الجماعة المسلمة وتخريبها "ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون". الاية 19 سورة النور. ان هذه الاية تعقيب على الذين اوغلوا في الدعاية لمسألة الافك، ولكن الامر مطلق ولا يختص بمسألة واحدة. فالذين يهدفون الى نشر الرذيلة واشاعتها بين المسلمين من اجل إحداث الشرخ وتدمير النفوس وتمييع الذات البشرية حتى تكون ميالة إلى الفساد في كل شيء فهاؤلاء قد اتخذ فيهم العليم الحكيم القرار الذي يستحقونه وهو أن لهم عذابا في الدنيا والاخرة، وهو انذار من رب العالمين لكي لا يتمادى هؤلاء في غيهم وضلالهم في نزع الثقة بين افراد الجماعة المسلمة ومحاربة العفة ونظافة النفوس، فعندما تصبح النفس مهيئة للرذيلة ولها القابلية والاستعداد تستطيع تطبيق كل ذلك في الواقع.
وهكذا فعندما يسعى هؤلاء الى نشر الرذيلة وبقية انواع الفساد المختلفة كالفساد المالي والاقتصاد والاجتماعي فهم يمهدون الطريق لتخريب المجتمع ونسفه، وحينئذ تسهل السيطرة عليه. وللأسف هناك تهافت اخلاقي عند البعض الذي تأثر في رؤيته بالاطروحات التي تناقض الاسلام اصلا ،وراح يخضع الاسلام لتلك الرؤى ويعمل على تطويع مفاهيمه في مختلف المجالات الاخلاقية والفكرية وغيرها ظنا منه ان ذلك العمل هو عين الصواب. ولم يعلم انها تتنافى مع منطلقات الاسلام. فنجده يلتمس العذر لاعداء الاسلام في حربهم على الاسلام واهله منتقدا في الوقت نفسه التوجه الاسلامي الذي لا ينسجم مع رؤيته وهذه اكبر الزلات، كالذي ينكر الجهاد في تحرير المسجد الاقص والارض المباركة حوله ويعتبر الذين يحاولون تحرير اوطانهم بانهم تسببوا في سفك الدماء واراقتها وبرأ المحتل الجاثم على ارض المسلمين الذي دمر الديار وشرد اهلها ،بل ان هذا التوجه رفع يافطة مكتوب عليها "ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة" "وان المسلم لا ينبغي ان يذل نفسه" فترى كيف اخرج هذا النوع من الناس الامور عن سياقها ووضعوها في ثوب يتماشى مع رؤية اعداء الاسلام، بل هناك من يصدر فتاوي تخدم في النهاية مصالح واهداف اعداء الاسلام، سواء قصد ذلك ام لم يقصده احب ام كره، ولذلك على كل من يتصدر للفتوى ان يكون على بينة من امره لكي لا يسقط في المحظور..