بقلم : البراق شادي عبد السلام
مشاركة زعيم ميليشيا البوليساريو الإرهابية إلى جانب قيادات سياسية مغاربية رفيعة المستوى في إحتفالات الذكرى السبعون للثورة الجزائرية هو جزء من الإستغلال المقيت للنظام العسكرتاري الجزائري للتاريخ النضالي المشترك بين الشعوب المغاربية المتعلق بفترة الكفاح الوطني المسلح من أجل الإستقلال عن الإستعمار الفرنسي و الذي تمثله ثورة الملك و الشعب بالمغرب في غشت 1953 و إنتفاضة " الفلاقة " في تونس 1952 وثورة التحرير الجزائرية بدعم من المملكة المغربية ملكا و شعبا إبتداء من نوفمبر 1954 ؛ هذا اللقاء المشبوه هو محاولة من نظام شنقريحة لفرض الأمر الواقع بإستخدام بهلواني " لديبلوماسية الصور التذكارية" لإيهام الداخل الجزائري و المحتجزين في المخيمات بتحقيق إنتصار سياسي و ديبلوماسي وهمي في هذا النزاع الإقليمي و بشكل خاص بعد الهزيمة المذلة التي حصدتها الديبلوماسية الجزائرية في مجلس الأمن بعد شهور من التآمر و التحريض و محاولة التأثير على قرارات الأمم المتحدة و ميكانيزمات إشتغال بعثة المينورسو في الميدان و هي الهزيمة التي كرستها مضامين القرار الأممي رقم 2756 المؤكدة على الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي إقترحها المغرب كحل جاد وذي مصداقية، وهي المبادرة التي تلقت منذ طرحها سنة 2007 تأييدا متزايدا من قبل المجتمع الدولي، وذلك من خلال التأكيد على فحوى جميع القرارات السابقة بشأن الصحراء المغربية منذ صدور القرار رقم 1754 (2007) إلى غاية القرار 2703 الصادر سنة (2023).
فزيارة الدولة الناجحة بكل المقاييس للسيد إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية إلى المغرب و الطبيعة الإستثنائية لمخرجاتها السياسية و الديبلوماسية و الإقتصادية و الفشل الذريع و الإخفاق التام للديبلوماسية الجزائرية في أروقة مجلس الأمن زادت من تكريس عزلته الدولية و التجاهل الأممي لطروحاتها المتجاوزة لها علاقة مباشرة بالصور المنشورة من طرف الإعلام الجزائري لإجتماع قيادات مغاربية إضافة إلى الورم السرطاني الإقليمي زعيم ميليشيا البوليساريو الإرهابية المدعو إبراهيم غالي في محاولة يائسة لتمرير رسائل مباشرة إلى من يهمه الأمر بأن المملكة المغربية معزولة مغاربيا و ليس لها أي دور سياسي أو ديبلوماسي إقليمي بينما الملاحظ أن مختلف القيادات السياسية التي شاركت في إحتفالات الذكرى السبعين لثورة الفاتح من نونبر هي نتائج مباشرة لجهود سياسية و ديبلوماسية مغربية في إطار الرؤية الملكية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس للعمل المغاربي المشترك و محددات الأمن الإقليمي وفق مبادئ صارمة ترتكز على إحترام سيادة الدول و إستقلالها و عدم التدخل في شؤونها الداخلية فالسيد محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي هو نتيجة بنود الاتفاق السياسي الليبي التي تم توقيعه في 17 ديسمبر 2015 تحت إشراف الأمم المتحدة في إطار مسلسل الصخيرات السياسي التي تم عقدها تحت الرعاية الكاملة للمملكة المغربية التي ضمنت إستقلالية القرار السيادي الليبي و عدم تدخل أي طرف إقليمي أو دولي في سير المباحثات التي إستمرت لشهور ، الرئيس التونسي قيس سعيد و المسلسل السياسي الذي أوصله إلى الحكم هو الآخر نتيجة للجهود الشخصية لجلالة الملك محمد السادس بعد زياراته المتعددة إلى تونس و الرسائل التي قدمها إلى العالم بعد ساعات من الهجمات الإرهابية التي إستهدفت أماكن إستراتيجية للإقتصاد التونسي فكانت صور جلالة الملك محمد السادس ملتحما مع الشعب التونسي الشقيق في رسالة إلى العالم بأن تونس بأمان ، و الرئيس الموريتاني محمد الغزواني إبتدأ عهده بعد أن قدمت المملكة المغربية هدية جيوسياسية كبرى لموريتانيا بتحرير المعبر الحدودي الدولي الكركرات من سيطرة ميليشيا البوليساريو الإرهابية حيث حرصت المملكة المغربية على إستقلال و سيادة موريتانيا من خلال المشاركة الفاعلة للمملكة المغربية في الحفاظ على الأمن الغذائي و الإقتصادي للموريتانيا الذي يساهم بشكل كبير في إستقرار الدولة و أمنها .
كما أن فرض زعيم ميليشيا إرهابية و إنفصالية للمشاركة إلى جانب قيادات مغاربية في إحتفالات الذكرى السبعين لثورة الجزائر يعيد طرح تساؤلات حول المشروع المشبوه للنظام العسكرتاري الجزائري لتأسيس منتدى مغاربي الإقليمي جديد بديل عن إتحاد المغرب العربي من خلال إستبعاد المملكة المغربية لأهداف داخلية جزائرية محضة لذلك فالمشروع المغاربي الذي يطرحه النظام الجزائري لا يمكن أن يكون له أثر جيوسياسي أو تأثير سياسي على الملفات الإقليمية المطروحة سواء بالنسبة لشركاء المنطقة جنوب الصحراء الكبرى أو في الضفة الشمالية للبحر المتوسط أو بالنسبة لباقي المحاور الكبرى الفاعلة في السياسة الدولية ، في الوقت الذي تراهن فيها التكتلات الدولية و الإقليمية على بناء منظومات ردع جيوسياسي من خلال الهيمنة و بسط السيادة على المضائق البحرية لأهميتها في النقل التجاري أو الإستراتيجي و بناء منظومات إقتصادية بسلاسل إنتاج متكاملة فإن الإتحاد المغاربي الملغوم الذي تروج له الجزائر يظل مجرد مبادرة وهمية على الورق محكومة بالفشل الذريع نتيجة إستبعاد المملكة المغربية بنموذجها الإقتصادي الصاعد و إشعاعها الحضاري الكبير و مساهمتها المهمة في الأمن الغذائي العالمي بإعتبارها " سلة غذاء العالم " بإحتياطاتها الفوسفاطية المهمة و موقعها الجغرافي المتميز متوسطيا و أطلسيا الذي يجعلها أحد ثوابت السلام العالمي ، كما أن عمقها الإفريقي يحولها إلى منصة إفريقية متعددة الأبعاد مفتوحة أمام العالم .
و بقراءة سريعة للوضع السياسي و الإقتصادي الداخلي لمختلف الدول المغاربية تظل المملكة المغربية بفضل عامل الإستقرار السياسي و الأمني و التوازن المجتمعي و الإصلاحات الكبرى التي دشنها الملك محمد السادس من أجل بناء منظومة حماية إجتماعية متكاملة تضمن للشعب المغربي الكرامة و العيش الكريم و تساعد في أن تلعب المملكة المغربية دور الضامن الإقليمي للإستقرار و الأمن نجد إصرار النظام الجزائري على إتخاذ العسكرتارية كنموذج سياسي و إقتصادي مجتمعي حيث يقوم الجنرال شنقريحة بإحتكار و مصادرة السلطة السياسية للشعب الجزائري من خلال الرئيس عبد المجيد تبون الذي تحول إلى واجهة مدنية لنظام شمولي يقوده الجنرالات بميزانية حرب تتجاوز 23 مليار دولار في وقت يعيش الملايين من الشعب الجزائري الشقيق في ظل أزمة إجتماعية و إقتصادية خانقة ، و في تونس اليوم الرئيس قيس سعيد يقود البلاد إلى حافة إفلاس حقيقي من خلال خطابات ديماغوجية مليئة بالوعود الكاذبة و بدون أثر فعلي على الأرض حيث رصدت منظمات مدنية 49 وعدا أطلقه سعيد يتعلق بالمجال السياسي والتشريعي وإستقلال القضاء وضمان الحقوق والحريات والصحة والتعليم وتعزيز القدرة الشرائية للتونسيين ، في حين أن إن سعيد حقق 5 وعود فقط حتى الآن و بشكل خاص الوعود في المجال السياسي والتشريعي حيث فشل في تحقيق 7 وعود من أصل تسعة فيما حقّق وعدين يتعلقان بالإستفتاء وبتنظيم إنتخابات تشريعية بهدف تثبيت حكمه الإنفرادي ، موريتانيا هي الأخرى تعيش في ظل سياسات إقتصادية و إجتماعية فاشلة فرغم الموارد الطبيعية المتعددة والمتنوعة، فإن موريتانيا بسكانها الذين لا يصلون إلى 5 ملايين نسمة، تصنف واحدة من أكثر بلدان العالم فقرا، إذ يعيش 2.3 مليون شخص (56.9% من السكان) في وضعية الفقر متعدد الأبعاد، حسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ؛ كما أن الوضع العسكري في ليبيا قابل للإنفجار في أي لحظة نتيجة الوضع السياسي المأزوم و تصاعد الخلافات بين حكومة الإستقرار الوطني في الشرق الليبي بقيادة أسامة حماد و حكومة الوحدة الوطنية الليبية بقيادة محمد المنفي في طرابلس حول العديد من القضايا أهمها أزمة المصرف المركزي الليبي و ميزانية الحكومة ؛ في ظل هذه الأوضاع المأزومة التي تعيشها مختلف الدول المغاربية فإن المنطقة اليوم في حاجة إلى توافق إقليمي بين مختلف القوى الفاعلة سياسيا و إقتصاديا حيث أن الرهان على النظام الجزائري المعزول دوليا و قاريا الفاقد لمشروع تنموي إقليمي أو مبادرات إقتصادية بناءة تخدم شعوب المتطقة يراكم الأزمة البنيوية التي يعرفها العمل المغاربي المشترك .
و على هذا الأساس فإتحاد المغرب العربي إستنادا لروح معاهدة مراكش 1989 يظل الإطار الإقليمي الوحيد الذي يمكن من خلاله مناقشة القضايا المغاربية بين أطراف مغاربية و أي محاولة لتجاوزه كمنتدى سياسي إقليمي فاعل هو إضعاف لكل الجهود المبذولة من أجل تفعيل معاهدة مراكش فالتغييب الممنهج للملكة المغربية في إجتماعات عقدتها أطراف مغاربية الهدف منها مناقشة قضايا مغاربية و البحث على حلول مغاربية للإشكالات الإقليمية المتعددة يضعف بشكل كبير أي محاولة جزائرية لبناء منظومة مغاربية بديلة لإبتعاد هذا التكتل الهجين الذي ما فتئت تدعو له الجزائر الرسمية زورا و بهتانا في أكثر من مناسبة عن المبادئ المؤسسة لإتحاد المغرب الكبير و بالتالي سيكون مفرغا من حمولته التاريخية و أبعاده الحضارية المتميزة و ستظل هذه الإجتماعات لقاءات روتينية غير قادرة على بلورة تصورات مغاربية حقيقية للإشكالات المطروحة و عاجزة عن تقديم حلول ناجعة للقضايا العالمية و القارية و الإقليمية المرتبطة بالفضاء المغاربي المطروحة فوق طاولة الفاعل المؤسساتي في دول جنوب المتوسط و شمال و غرب إفريقيا .