عدم الاكتراث بالهجوم على الإسلام يعود إلى قلة الحيلة أو إلى التواطؤ؟

 


بقلم : إبراهيم الناية 

إثر الهجمة الشرسة التي يتبناها أتباع الفلسفات المادية والاتجاهات العلمانية واللادينية على الإسلام ومعتقداته،يتساءل البعض لماذا السكوت عن أفعال هؤلاء وعدم التصدي لهم؟ وتركهم يمرحون كما يشاؤون ،ويطرحون تصوراتهم كما يحلو لهم؟ بل يقدمون رؤية مشوهة عن الإسلام ويحاولون تقديمها للناس على أنها هي الرؤية الصحيحة عن الإسلام ،بل حاول أتباع هذا التوجه احتواء الإسلام متخذين في ذالك: شعار التطوير ،تطوير الشريعة والأخلاق والدين معتبرين أن الظروف المجتمعية والتاريخية اقتضت إعادة النظر في مفاهيم الإسلام الأساسية وهم بذلك ينظرون إلى الإسلام وكأنه منهج بشري يستغرقه الزمان والمكان. والغريب أن هؤلاء العلمانيين تخلوا عن مشاريعهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي كانوا ينادون بها دوما والتجؤا إلى الطعن في الإسلام لأنهم رأوا أن الطعن في معتقدات الإسلام هو الوسيلة الوحيدة التي سينالون بها رضى قوى الشر والاستعمار والاستكبار، ولذلك فهؤلاء فعلوا كل ما في وسعهم للقضاء على الإسلام، من خلال إثارة النعرات القومية والوطنية بل دعوا إلى الفوضى والرجوع إلى حياة الهمج بدعوتهم تخريب الأسرة وجعل المرأة  مشاعة. وإذا كان الأمر هكذا فلماذا استنكف البعض وكأن الأمر لا يعنيه في شيء وفضل التفرج وبقي صامتا؟ وقد يلتمس البعض لنفسه العذر وهو أن ما يقوله  هؤلاء العلمانيون واللادينيون متهافت أصلا ولا يستحق منا الرد خاصة أن للبيت ربا يحميه؟ وهو بهذا الكلام يريد تبرئة نفسه من المسؤولية و لكن أين نصرة الحق؟ أو ألم يعلم إن من بين الأسئلة التي سنسأل عنها يوم القيامة ماذا قدمتم لهذا الدين؟ أو لم يقرؤوا الآية القرآنية 158 من سورة البقرة (ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد مابيناه للناس في الكتاب اؤلائك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) . صحيح إن هجوم العلمانيين على الإسلام ومعتقداته ليس مؤطرا بمنطق علمي قائم على الإحاطة المعرفية بالإسلام ورؤيته للحياة، وإنما هو مجموعة من الأكاذيب يحدثون بها الضجيج ظنا منهم أن الناس لن  يتفطنوا إلى حيلهم، فأنكروا الغيب وأقروا أن الحقيقة متجلية في ماهو مادي ، وشككوا في كل شيء له صلة بالإسلام وتطاولوا على العلوم الإسلامية التي تقتضي الإلمام والإحاطة، ولا يحق لشخص الحديث عنها إلا بالعلم والمعرفة الأمر الذي يفتقرون إليه ولكن هؤلاء العلمانيين يوهمون أنفسهم أن مايقولونه هو الحق ، فالجاهل عندما يتصدر المشهد ويعتقد أن مايقوله وينشره في وسائل  التواصل الاجتماعي هو عين الصواب  فان الأمر لم يعد هينا. بل ذهب هؤلاء إلى ابعد من ذالك ليقولوا إن سبب تخلف المسلمين يعود إلى الإسلام ذاته ولم يدركوا أن سبب التخلف يعود إلى المسلمين لأنهم فرطوا في الإسلام فقد جاء الإسلام إلى العرب وهم في حالة تخلف شديد وجعل منهم أمة ذات حضارة سادت الآفاق وعندما تخلوا عنه أذلهم الله. بل ما فتئ هؤلاء العلمانيون يرددون تلك الفكرة التي طرحت في الغرب منذ أيام عصر النهضة الأوربية وهي أن الإيمان بالغيب معيق للبحث العلمي ومفسد لروحه ،وهذه مغالطة كبرى لان النظريات ينبغي النظر إلى نتائجها وما خلفته من تأثير على الواقع النفسي أو ما حققته في الواقع البشري من إبداع وتماسك فعندما غاب الإسلام غابت قيم الفضيلة والنبل والأخلاق وغابت الطمأنينة والسكينة والتعامل الحضاري ، ولما حضرت ثقافة الغرب القائمة على البعد المادي حضرت قيم البشاعة والشذوذ والقراءة الكئيبة والمظلمة للوجود. إن التسلح بالعلم والمعرفة لم يعد ضرورة بل من أوجب الواجبات فالإمام ابن القيم رحمه الله يقول ( لا تستقيم شجرة الإيمان إلا على ساق العلم والمعرفة ) وعليه فلابد من طرح القضايا الآتية:

إن الكل ينطق بالشهادتين لكن هل عرف دلالاتهما العقائدية؟ بل إن هذا الكل يقول: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا. لكن هل هذا الكل يفهم الإسلام الذي نزل على محمد أم فقط ذلك الفهم المشوه لحقيقة الدين الذي ظهر في عصور الانحطاط؟ وهل يعتقد الناس اليوم أنهم متمسكون بالإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم متمعنون في مفاهيمه ؟ ثم إن المسلمين يصلون ولكن هل يدركون حقيقة الصلاة ؟ وهل يميزون بين صلاة العادة وصلاة العبادة ؟ وهل فيهم صفات المصلين ؟ ثم ألا يحق للمرء إن يتساءل : مادور وتأثير هذه الحشود الهائلة التي تحضر إلى المساجد والساحات لصلاة القيام في رمضان؟ وماهو تأثير خطب الجمعة التي تقام كل أسبوع على نطاق واسع داخل المجتمع؟ وقد يرى البعض أن هناك فقهاء صامتون لكن هل المعارف التي يتبنونها  معارف حية أو  معارف ميتة  لا تؤثر ولا تثير في أنفسهم أدنى شعور بالمسؤولية  إزاء الإسلام وقضاياه  أو لم يعلموا قول الناظم ( وإذا حلت الهداية قلبا نشطت للعبادة الأعضاء ) فعندما يستقر الإيمان الصحيح في قلب المرء فان ذالك الإنسان سينتفض على كل شيء مخالف لحقيقة الإيمان . فلماذا لا يوضح هؤلاء حقائق الإسلام ويفندون أباطيل خصومه؟ أو على الأقل لا يكونون حلفاء موضوعين يميلون لعقلية الطابور الخامس الذي يحارب الإسلام والمسلمين ، ألم يعلموا قول الإمام بن القيم (لا يجتمع في القلب حبان حب الله وحب الهوى ) 

ولكن هناك مسالة ينبغي توضيحها : إن لفظ الفقيه في التراث الإسلامي يتحدد من خلال ثلاثة عناصر مترابطة لا فكاك بينها : العلم والعمل والإخلاص وهذه العناصر تجسدت في الفقهاء الذين كان لهم دور فعال في التاريخ الإسلامي تجلى في خدمة الإسلام والدفاع عن أهله، فكانت مواقفهم مشرفة تحملوا عن اتخاذها اهانات وعذابات دون أن يصرفهم  ذلك عن قول الحق ، فمسألة ( طلاق المكره لا يلزم ) المعروفة عن الإمام مالك وما ترتب عنها، ومحنة خلق القران التي حصلت مع الإمام احمد شاهدة  على مدى الظلم الذي تعرض له كل من وقف ثابتا مدافعا عن دينه وعقيدته ، وما حصل مع ابن تيمية  وتلميذه ابن القيم غني عن الحديث أضف إلى ذالك ان هؤلاء كانوا على جانب كبير من الاطلاع  على ثقافة الآخرين فالإمام الشافعي يقول ( بإمكاني أن أضع في الكلام ( علم الكلام ) كتابا ولكن ليس الكلام من شأن ) بل أن المرحوم مصطفى عبد الرازق يقول  ( إن مكانة الشافعي في العربية  كما كانت أرسطو في اليونانية ) لما له من دور في وضع علم أصول الفقه، ولقد كافح ابن تيمية على كل الواجهات الفكرية والسياسية وغيرها وله فتاوى صارخة في كل المجالات ، وابتلي ولكن ذلك لم يصرفه عن عقيدته ودينه ، ولولا اطلاعه الواسع على المنطق الأرسطي والفلسفة اليونانية وفلسفة أتباعها الذي كان له دافعا  في تأليف كتب في نقد المنطق الأرسطي نقدا علميا ويضع المنطق الأصولي بديلا عنه ، فكتبه الرد على المنطقيين ونقض المنطق شاهد على ذلك ،كما تتبع هفوات متفلسفة الإسلام ولولا معرفته بتلك المعارف ماكان ليقوم بذلك العمل العلمي ويعد كتابه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول تتويجا لذلك المجهود الضخم الذي جسد به حضوره في تاريخ الفكر الإسلامي .

كل هذا العمل حصل ضمن مشروع فكري متكامل ومنظم أنجزه المخلصون من هذه الأمة الذين ضحوا بكل شيء ولم يقبلوا الدنية في دينهم ، ولا غرابة في ذلك فالإسلام جاء إلى العرب وهم يعيشون حالة من الفوضى  فصنع منهم مجتمعا منظما ومنضبطا يسير وفق التوجيهات الربانية ولذلك إن النهضة لا يمكن أن تتحقق في مجتمع  تسوده فوضى الفكر والسلوك  والأخلاق والمعاملات كما يدعو إلى ذالك دعاة التغريب الذين يطلقون الإحكام على عواهنها بدون حجة ولا دليل .

واليوم إن الاطلاع على معارف العلوم الإنسانية مسألة ضرورية لمعرفة رؤية الآخرين وكيفية التعامل معها ، لأنه لا يمكن تتبع أخطاء الأخر مع الجهل بثقافته ومن ثم لا بد من تكاثف الجهود لأن الثقافة الإسلامية في الأصل تجلت في ذلك العمل الضخم الذي قامت به الأمة المسلمة وهو مجهود لم تعرفه أية امة في تاريخ البشرية، ولقد تحقق ذلك لأن المسلمين عرفوا كيف يختلفون دون إن يقعوا في الافتراق والهجران، ومن جهة أخرى إيمانهم أن الإسلام جاء ليبقى منهجا لحياة البشر .

وفي الأخير ماهي حجج الساكتين عن أضاليل العلمانيين ؟ وهل سكوتهم يعود إلى الجهل أم إلى التواطء أو ماذا ؟

طانطان 24